الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»
.باب فِي التَّعَوُّذِ مِنْ سُوءِ الْقَضَاءِ وَدَرَكِ الشَّقَاءِ وَغَيْرِهِ: .باب مَا يَقُولُ عِنْدَ النَّوْمِ وَأَخْذِ الْمَضْجَعِ: قَالَ الْعُلَمَاء: الْوَجْه وَالنَّفْس هُنَا بِمَعْنَى الذَّات كُلّهَا، يُقَال: سَلَّمَ وَأَسْلَمَ وَاسْتَسْلَمَ بِمَعْنًى. وَمَعْنَى: «أَلْجَأْت ظَهْرِي إِلَيْك» أَيْ: تَوَكَّلْت عَلَيْك، وَاعْتَمَدْتُك فِي أَمْرِي كُلّه، كَمَا يَعْتَمِد الْإِنْسَان بِظَهْرِهِ إِلَى مَا يُسْنِدهُ. وَقَوْله: «رَغْبَة وَرَهْبَة» أَيْ: طَمَعًا فِي ثَوَابك، وَخَوْفًا مِنْ عَذَابك. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُتّ عَلَى الْفِطْرَة» أَيْ: الْإِسْلَام، «وَإِنْ أَصْبَحْت أَصَبْت خَيْر» أَيْ: حَصَلَ لَك ثَوَاب هَذِهِ السُّنَن، وَاهْتِمَامك بِالْخَيْرِ، وَمُتَابَعَتك أَمْر اللَّه وَرَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَوْله: «فَرَدَّدْتُهُنَّ لِأَسْتَذْكِرهُنَّ، فَقُلْت: آمَنْت بِرَسُولِك الَّذِي أَرْسَلْت، قَالَ: قُلْ آمَنْت بِنَبِيِّك الَّذِي أَرْسَلْت» اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي سَبَب إِنْكَاره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَدّه اللَّفْظ، فَقِيلَ: إِنَّمَا رَدَّهُ لِأَنَّ قَوْله: «آمَنْت بِرَسُولِك» يَحْتَمِل غَيْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظ، وَاخْتَارَ الْمَازِرِيُّ وَغَيْره أَنَّ سَبَب الْإِنْكَار أَنَّ هَذَا ذِكْر وَدُعَاء، فَيَنْبَغِي فيه الِاقْتِصَار عَلَى اللَّفْظ الْوَارِد بِحُرُوفِهِ، وَقَدْ يَتَعَلَّق الْجَزَاء بِتِلْكَ الْحُرُوف، وَلَعَلَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْكَلِمَات، فَيَتَعَيَّن أَدَاؤُهَا بِحُرُوفِهَا، وَهَذَا الْقَوْل حَسَن، وَقِيلَ: لِأَنَّ قَوْله: «وَنَبِيّك الَّذِي أَرْسَلْت» فيه جَزَالَة مِنْ حَيْثُ صَنْعَة الْكَلَام، وَفيه جَمْع النُّبُوَّة وَالرِّسَالَة، فَإِذَا قَالَ رَسُولك الَّذِي أَرْسَلْت، فَإِنَّ هَذَا الْأَمْر مَعَ مَا فيه مِنْ تَكْرِير لَفْظ (رَسُول وَأَرْسَلْت) أَهْل الْبَلَاغَة يَعِيبُونَهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّل شَرْح خُطْبَة هَذَا الْكِتَاب أَنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ الرِّسَالَة النُّبُوَّة وَلَا عَكْسه وَاحْتَجَّ بَعْض الْعُلَمَاء بِهَذَا الْحَدِيث لِمَنْعِ الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى، وَجُمْهُورهمْ عَلَى جَوَازهَا مِنْ الْعَارِف، وَيُجِيبُونَ عَنْ هَذَا الْحَدِيث بِأَنَّ الْمَعْنَى هُنَا مُخْتَلِف وَلَا خِلَاف فِي الْمَنْع إِذَا اِخْتَلَفَ الْمَعْنَى. 4885- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَوَيْت إِلَى فِرَاشك» أَيْ: اِنْضَمَمْت إِلَيْهِ وَدَخَلْت فيه، كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى بَعْد: «إِذَا أَخَذَ مَضْجَعه»، وَقَالَ فِي الْحَدِيث الْآخَر بَعْد هَذَا: «كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشه قَالَ: الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوَانَا» فَأَمَّا أَوَيْت وَأَوَى إِلَى فِرَاشك فَمَقْصُور، وَأَمَّا قَوْله: «وَآوَانَا» فَمَمْدُود وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح الْفَصِيح الْمَشْهُور وَحُكِيَ بِالْقَصْرِ فيهمَا، وَسَبَقَ بَيَانه مَرَّات، وَقِيلَ: مَعْنَى آوَانَا هُنَا: رَحِمَنَا. 4886- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ بِاسْمِك أَمُوت وَبِاسْمِك أَحْيَا» قِيلَ: مَعْنَاهُ: بِذِكْرِ اِسْمك أَحْيَا مَا حَيِيت، وَعَلَيْهِ أَمُوت، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: بِك أَحْيَا، أَيْ: أَنْتَ تُحْيِينِي، وَأَنْتَ تُمِيتنِي، وَالِاسْم هُنَا هُوَ الْمُسَمَّى. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَمَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُور» الْمُرَاد بِأَمَاتَنَا النَّوْم وَأَمَّا النُّشُور فَهُوَ الْإِحْيَاء لِلْبَعْثِ يَوْم الْقِيَامَة، فَنَبَّهَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِعَادَةِ الْيَقِظَة بَعْد النَّوْم الَّذِي هُوَ كَالْمَوْتِ عَلَى إِثْبَات الْبَعْث بَعْد الْمَوْت، قَالَ الْعُلَمَاء: وَحِكْمَة الدُّعَاء عِنْد إِرَادَة النَّوْم أَنْ تَكُون خَاتِمَة أَعْمَاله كَمَا سَبَقَ، وَحِكْمَته إِذَا أَصْبَحَ أَنْ يَكُون أَوَّل عَمَله بِذِكْرِ التَّوْحِيد وَالْكَلِم الطَّيِّب. 4887- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ خَلَقْت نَفْسِي وَأَنْتَ تَتَوَفَّاهَا لَك مَمَاتهَا وَمَحْيَاهَا» أَيْ: حَيَاتهَا وَمَوْتهَا، وَجَمِيع أُمُورهَا لَك، وَبِقُدْرَتِك وَفِي سُلْطَانك. 4888- قَوْله: «أَعُوذ بِك مِنْ شَرِّ كُلّ شَيْء أَنْتَ آخِذ بِنَاصِيَتِهِ» أَيْ: مِنْ شَرّ كُلّ شَيْء مِنْ الْمَخْلُوقَات؛ لِأَنَّهَا كُلّهَا فِي سُلْطَانه، وَهُوَ آخِذ بِنَوَاصِيهَا. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّل فَلَيْسَ قَبْلك شَيْء، وَأَنْتَ الْآخِر فَلَيْسَ بَعْدك شَيْء، وَأَنْتَ الظَّاهِر فَلَيْسَ فَوْقك شَيْء، وَأَنْتَ الْبَاطِن فَلَيْسَ دُونك شَيْء اِقْضِ عَنَّا الدَّيْن» يَحْتَمِل أَنَّ الْمُرَاد بِالدَّيْنِ هُنَا حُقُوق اللَّه تَعَالَى وَحُقُوق الْعِبَاد كُلّهَا مِنْ جَمِيع الْأَنْوَاع، وَأَمَّا مَعْنَى الظَّاهِر مِنْ أَسْمَاء اللَّه فَقِيلَ: هُوَ مِنْ الظُّهُور بِمَعْنَى الْقَهْر وَالْغَلَبَة، وَكَمَال الْقُدْرَة، وَمِنْهُ ظَهَرَ فُلَان عَلَى فُلَان، وَقِيلَ: الظَّاهِر بِالدَّلَائِلِ الْقَطْعِيَّة، وَالْبَاطِن: الْمُحْتَجِب عَنْ خَلْقه، وَقِيلَ: الْعَالِم بِالْخَفِيَّاتِ. وَأَمَّا تَسْمِيَته سُبْحَانه بِالْآخِرِ، فَقَالَ الْإِمَام أَبُو بَكْر اِبْن الْبَاقِلَّانِيّ: مَعْنَاهُ الْبَاقِي بِصِفَاتِهِ مِنْ الْعِلْم وَالْقُدْرَة وَغَيْرهمَا الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي الْأَزَل، وَيَكُون كَذَلِكَ بَعْد مَوْت الْخَلَائِق، وَذَهَاب عُلُومهمْ وَقَدَرهمْ وَحَوَاسّهمْ، وَتَفَرُّق أَجْسَامهمْ، قَالَ: وَتَعَلَّقَتْ الْمُعْتَزِلَة بِهَذَا الِاسْم، فَاحْتَجُّوا بِهِ لِمَذْهَبِهِمْ فِي فِنَاء الْأَجْسَام وَذَهَابها بِالْكُلِّيَّةِ، قَالُوا: وَمَعْنَاهُ الْبَاقِي بَعْد فَنَاء خَلْقه، وَمَذْهَب أَهْل الْحَقّ خِلَاف ذَلِكَ، وَأَنَّ الْمُرَاد الْآخِر بِصِفَاتِهِ بَعْد ذَهَاب صِفَاتهمْ، وَلِهَذَا يُقَال: آخِر مَنْ بَقِيَ مِنْ بَنِي فُلَان فُلَان، يُرَاد حَيَاته، وَلَا يُرَاد فَنَاء أَجْسَام مَوْتَاهُمْ وَعَدَمهَا، هَذَا كَلَام اِبْن الْبَاقِلَّانِيّ. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَوَى أَحَدكُمْ إِلَى فِرَاشه فَلْيَأْخُذْ دَاخِلَة إِزَاره، فَلْيَنْفُضْ بِهَا فِرَاشه، وَلْيُسَمِّ اللَّه تَعَالَى، فَإِنَّهُ لَا يَعْلَم مَا خَلَفَهُ بَعْد عَلَى فِرَاشه» «دَاخِلَة الْإِزَار» طَرَفه، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ يُسْتَحَبّ أَنْ يَنْفُض فِرَاشه قَبْل أَنْ يَدْخُل فيه، لِئَلَّا يَكُون فيه حَيَّة أَوْ عَقْرَب أَوْ غَيْرهمَا مِنْ الْمُؤْذِيَات، وَلْيَنْفُضْ وَيَدُهُ مَسْتُورَة بِطَرَفِ إِزَاره، لِئَلَّا يَحْصُل فِي يَده مَكْرُوه إِنْ كَانَ هُنَاكَ. 4890- قَوْله: «فَكَمْ مِمَّنْ لَا مَأْوَى لَهُ» أَيْ: لَا رَاحِم وَلَا عَاطِف عَلَيْهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا وَطَن لَهُ وَلَا سَكَن يَأْوِي إِلَيْهِ. .باب التَّعَوُّذِ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلَ وَمِنْ شَرِّ مَا لَمْ يَعْمَلْ: 4892- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ لَك أَسْلَمْت وَبِك آمَنْت» مَعْنَاهُ: لَك اِنْقَدْت، وَبِك صَدَّقْت، وَفيه: إِشَارَة إِلَى الْفَرْق بَيْن الْإِيمَان وَالْإِسْلَام، وَقَدْ سَبَقَ إِيضَاحه فِي أَوَّل كِتَاب الْإِيمَان. وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَعَلَيْك تَوَكَّلْت» أَيْ: فَوَّضْت أَمْرِي إِلَيْك. «وَإِلَيْك أَنَبْت» أَيْ: أَقْبَلْت بِهِمَّتِي وَطَاعَتِي، وَأَعْرَضْت عَمَّا سِوَاك. «وَبِك خَاصَمْت» أَيْ: بِك أَحْتَجّ وَأُدَافِع وَأُقَاتِل. 4895- قَوْله: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا كَانَ فِي سَفَر وَأَسْحَرَ يَقُول: سَمِعَ سَامِع بِحَمْدِ اللَّه وَحُسْن بَلَائِهِ، رَبّنَا صَاحِبْنَا وَأَفْضِلْ عَلَيْنَا عَائِذًا بِاَللَّهِ مِنْ النَّار» أَمَّا (أَسْحَرَ) فَمَعْنَاهُ قَامَ فِي السَّحَر، أَوْ اِنْتَهَى فِي سَيْره إِلَى السَّحَر، وَهُوَ آخِر اللَّيْل. وَأَمَّا (سَمِعَ سَامِع) فَرُوِيَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا: فَتْح الْمِيم مِنْ (سَمِعَ) وَتَشْدِيدهَا، وَالثَّانِي: كَسْرهَا مَعَ تَخْفِيفهَا، وَاخْتَارَ الْقَاضِي هُنَا وَفِي الْمَشَارِق وَصَاحِب الْمَطَالِع التَّشْدِيد، وَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ رِوَايَة أَكْثَر رُوَاة مُسْلِم، قَالَا: وَمَعْنَاهُ بَلَّغَ سَامِع قَوْلِي هَذَا لِغَيْرِهِ، وَقَالَ مِثْله، تَنْبِيهًا عَلَى الذِّكْر فِي السَّحَر، وَالدُّعَاء فِي ذَلِكَ، وَضَبَطَهُ الْخَطَّابِيُّ وَآخَرُونَ بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيف، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ: شَهِدَ شَاهِد عَلَى حَمْدنَا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى نِعَمه وَحُسْن بَلَائِهِ. وَقَوْله: «رَبّنَا صَاحِبْنَا وَأَفْضِلْ عَلَيْنَا» أَيْ: اِحْفَظْنَا وَحُطْنَا وَاكْلَأْنَا، وَأَفْضِلْ عَلَيْنَا بِجَزِيلِ نِعَمك، وَاصْرِفْ عَنَّا كُلّ مَكْرُوه. وَقَوْله: «عَائِذًا بِاَللَّهِ مِنْ النَّار» مَنْصُوب عَلَى الْحَال أَيْ: أَقُول هَذَا فِي حَال اِسْتِعَاذَتِي وَاسْتِجَارَتِي بِاَللَّهِ مِنْ النَّار. 4896- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي... إِلَى قَوْله وَكُلّ ذَلِكَ عِنْدِي» أَيْ: أَنَا مُتَّصِف بِهَذِهِ الْأَشْيَاء، اِغْفِرْهَا لِي، قِيلَ: قَالَهُ تَوَاضُعًا وَعَدَّ عَلَى نَفْسه فَوَات الْكَمَال ذُنُوبًا، وَقِيلَ: أَرَادَ مَا كَانَ عَنْ سَهْو وَقِيلَ: مَا كَانَ قَبْل النُّبُوَّة، وَعَلَى كُلّ حَال فَهُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَغْفُور لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه وَمَا تَأَخَّرَ، فَدَعَا بِهَذَا وَغَيْره تَوَاضُعًا، لِأَنَّ الدُّعَاء عِبَادَة، قَالَ أَهْل اللُّغَة: الْإِسْرَاف مُجَاوَزَة الْحَدّ. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ الْمُقَدِّم وَأَنْتَ الْمُؤَخِّر» يُقَدِّم مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه إِلَى رَحْمَته بِتَوْفِيقِهِ، وَيُؤَخِّر مَنْ يَشَاء عَنْ ذَلِكَ لِخِذْلَانِهِ. 4898- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلك الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَاف وَالْغِنَى» أَمَّا (الْعَفَاف وَالْعِفَّة) فَهُوَ: التَّنَزُّه عَمَّا يُبَاح، وَالْكَفّ عَنْهُ، (وَالْغِنَى)هُنَا غِنَى النَّفْس، وَالِاسْتِغْنَاء عَنْ النَّاس، وَعَمَّا فِي أَيْدِيهمْ. 4899- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْر مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيّهَا وَمَوْلَاهَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذ بِك مِنْ عِلْم لَا يَنْفَع، وَمِنْ قَلْب لَا يَخْشَع، وَمِنْ نَفْس لَا تَشْبَع» هَذَا الْحَدِيث وَغَيْره مِنْ الْأَدْعِيَة الْمَسْجُوعَة دَلِيل لِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاء، أَنَّ السَّجْع الْمَذْمُوم فِي الدُّعَاء هُوَ الْمُتَكَلَّف، فَإِنَّهُ يُذْهِب الْخُشُوع وَالْخُضُوع وَالْإِخْلَاص، وَيُلْهِي عَنْ الضَّرَاعَة وَالِافْتِقَار وَفَرَاغ الْقَلْب، فَأَمَّا مَا حَصَلَ بِلَا تَكَلُّف وَلَا إِعْمَال فِكْر لِكَمَالِ الْفَصَاحَة وَنَحْو ذَلِكَ، أَوْ كَانَ مَحْفُوظًا فَلَا بَأْس بِهِ، بَلْ هُوَ حَسَن، وَمَعْنَى: «نَفْس لَا تَشْبَع»: اِسْتِعَاذَة مِنْ الْحِرْص وَالطَّمَع وَالشَّرَه، وَتَعَلُّق النَّفْس بِالْآمَالِ الْبَعِيدَة. وَمَعْنَى: «زَكِّهَا»: طَهِّرْهَا، وَلَفْظَة (خَيْر) لَيْسَتْ لِلتَّفْضِيلِ، بَلْ مَعْنَاهُ: لَا مُزَكِّي لَهَا إِلَّا أَنْتَ، كَمَا قَالَ: أَنْتَ وَلِيّهَا. 4900- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذ بِك مِنْ الْكَسَل وَسُوء الْكِبَر» قَالَ الْقَاضِي: رَوَيْنَاهُ (الْكِبَر) بِإِسْكَانِ الْبَاء وَفَتْحهَا، فَالْإِسْكَان بِمَعْنَى: التَّعَاظُم عَلَى النَّاس، وَالْفَتْح بِمَعْنَى: الْهَرَم وَالْخَرَف وَالرَّدّ إِلَى أَرْذَل الْعُمْر، كَمَا فِي الْحَدِيث الْآخَر، قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا أَظْهَر وَأَشْهَر مِمَّا قَبْله، قَالَ: وَبِالْفَتْحِ ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ، وَبِالْوَجْهَيْنِ ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ، وَصَوَّبَ الْفَتْح وَتُعَضِّدهُ رِوَايَة النَّسَائِيِّ وَسُوء الْعُمُر. 4903- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَغَلَبَ الْأَحْزَاب وَحْده» أَيْ: قَبَائِل الْكُفَّار الْمُتَحَزِّبِينَ عَلَيْهِمْ وَحْده، أَيْ: مِنْ غَيْر قِتَال الْآدَمِيِّينَ، بَلْ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَا شَيْء بَعْده» أَيْ سِوَاهُ. 4904- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُلْ: اللَّهُمَّ اِهْدِنِي وَسَدِّدْنِي، وَاذْكُرْ بِالْهُدَى هِدَايَتك الطَّرِيق، وَالسَّدَاد سَدَاد السَّهْم» أَمَّا (السَّدَاد) هُنَا بِفَتْحِ السِّين، وَسَدَاد السَّهْم: تَقْوِيمه، وَمَعْنَى: «سَدِّدْنِي»: وَفِّقْنِي وَاجْعَلْنِي مُنْتَصِبًا فِي جَمِيع أُمُورِي مُسْتَقِيمًا، وَأَصْل السَّدَاد الِاسْتِقَامَة وَالْقَصْد فِي الْأُمُور، وَأَمَّا الْهُدَى هُنَا فَهُوَ الرَّشَاد وَيُذَكَّر وَيُؤَنَّث، وَمَعْنَى: «اُذْكُرْ بِالْهُدَى هِدَايَتك الطَّرِيق وَالسَّدَاد سَدَاد السَّهْم» أَيْ: تَذَكَّر فِي حَال دُعَائِك بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ، لِأَنَّ هَادِي الطَّرِيق لَا يَزِيغ عَنْهُ، وَمُسَدَّد السَّهْم يَحْرِص عَلَى تَقْوِيمه، وَلَا يَسْتَقِيم رَمْيه حَتَّى يُقَوِّمهُ، وَكَذَا الدَّاعِي يَنْبَغِي أَنْ يَحْرِص عَلَى تَسْدِيد عِلْمه وَتَقْوِيمه، وَلُزُومه السُّنَّة، وَقِيلَ: لِيَتَذَكَّر بِهَذَا لَفْظ السَّدَاد وَالْهُدَى لِئَلَّا يَنْسَاهُ. .باب التَّسْبِيحِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَعِنْدَ النَّوْمِ: قَوْله: «سُبْحَان اللَّه وَبِحَمْدِهِ مِدَاد كَلِمَاته» هُوَ بِكَسْرِ الْمِيم، قِيلَ: مَعْنَاهُ: مِثْلهَا فِي الْعَدَد، وَقِيلَ: مِثْلهَا فِي أَنَّهَا لَا تَنْفُذ، وَقِيلَ: فِي الثَّوَاب، وَالْمِدَاد هُنَا مَصْدَر بِمَعْنَى الْمَدَد، وَهُوَ مَا كَثُرَتْ بِهِ الشَّيْء. قَالَ الْعُلَمَاء: وَاسْتِعْمَاله هُنَا مَجَاز؛ لِأَنَّ كَلِمَات اللَّه تَعَالَى لَا تُحْصَر بِعَدٍّ وَلَا غَيْره، وَالْمُرَاد الْمُبَالَغَة بِهِ فِي الْكَثْرَة؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا مَا يَحْصُرهُ الْعَدّ الْكَثِير مِنْ عَدَد الْخَلْق، ثُمَّ زِنَة الْعَرْش، ثُمَّ اِرْتَقَى إِلَى مَا هُوَ أَعْظَم مِنْ ذَلِكَ وَعَبَّرَ عَنْهُ بِهَذَا، أَيْ: مَا لَا يُحْصِيه عَدٌّ كَمَا لَا تُحْصَى كَلِمَات اللَّه تَعَالَى. قَوْله: (عَنْ أَبِي رِشْدِينَ) هُوَ بِكَسْرِ الرَّاء، وَهُوَ كُرَيْبٌ الْمَذْكُور فِي الرِّوَايَة الْأُولَى. 4906- قَوْله فِي حَدِيث عَلِيّ وَفَاطِمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا: «حَتَّى وَجَدْت بَرْد قَدَمه عَلَى صَدْرِي» كَذَا هُوَ فِي نُسَخ مُسْلِم: «قَدَمه» مُفْرَدَة، وَفِي الْبُخَارِيّ: «قَدَمَيْهِ» بِالتَّثْنِيَةِ، وَهِيَ زِيَادَة ثِقَة لَا تُخَالِف الْأُولَى. قَوْله: (قِيلَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَا تَرَكْتهنَّ لَيْلَة صِفِّينَ؟ قَالَ: وَلَا لَيْلَة صَفَّيْنِ) مَعْنَاهُ: لَمْ يَمْنَعنِي مِنْهُنَّ ذَلِكَ الْأَمْر وَالشُّغْل الَّذِي كُنْت فيه، وَلَيْلَة صِفِّينَ هِيَ لَيْلَة الْحَرْب الْمَعْرُوفَة بِصِفِّينَ، وَهِيَ مَوْضِع بِقُرْبِ الْفُرَات، كَانَتْ فيه حَرْب عَظِيمَة بَيْنه وَبَيْن أَهْل الشَّام. .باب اسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ عِنْدَ صِيَاحِ الدِّيكِ: .باب دُعَاءِ الْكَرْبِ: قَوْله: «كَانَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْر» هُوَ بِحَاءٍ مُهْمَلَة ثُمَّ زَاي مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ مُوَحَّدَة، أَيْ: نَابَهُ وَأَلَمَّ بِهِ أَمْر شَدِيد، قَالَ الْقَاضِي: قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء: وَهَذِهِ الْفَضَائِل الْمَذْكُورَة فِي هَذِهِ الْأَذْكَار إِنَّمَا هِيَ لِأَهْلِ الشَّرَف فِي الدِّين وَالطَّهَارَة مِنْ الْكَبَائِر دُون الْمُصِرِّينَ وَغَيْرهمْ، قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا فيه نَظَر، وَالْأَحَادِيث عَامَّة، قُلْت: الصَّحِيح أَنَّهَا لَا تَخْتَصّ. وَاَللَّه أَعْلَم. .باب فَضْلِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ: 4911- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ الْكَلَام إِلَى اللَّه: سُبْحَان اللَّه وَبِحَمْدِهِ» وَفِي رِوَايَة (أَفْضَل) هَذَا مَحْمُول عَلَى كَلَام الْآدَمِيّ. وَإِلَّا فَالْقُرْآن أَفْضَل، وَكَذَا قِرَاءَة الْقُرْآن أَفْضَل مِنْ التَّسْبِيح وَالتَّهْلِيل الْمُطْلَق، فَأَمَّا الْمَأْثُور فِي وَقْت أَوْ حَال وَنَحْو ذَلِكَ فَالِاشْتِغَال بِهِ أَفْضَل. وَاَللَّه أَعْلَم. .باب فَضْلِ الدُّعَاءِ لِلْمُسْلِمِينَ بِظَهْرِ الْغَيْبِ: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ عَبْد مُسْلِم يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْب إِلَّا قَالَ الْمَلَك: وَلَك بِمِثْلٍ» وَفِي رِوَايَة: «قَالَ الْمَلَك الْمُوَكَّل بِهِ آمِينَ وَلَك بِمِثْلٍ» وَفِي رِوَايَة: «دَعْوَة الْمَرْء الْمُسْلِم لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْب مُسْتَجَابَة، عِنْد رَأْسه مَلَك مُوَكَّل، كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ الْمَلَك الْمُوَكَّل بِهِ: آمِينَ وَلَك بِمِثْلٍ». أَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِظَهْرِ الْغَيْب» فَمَعْنَاهُ: فِي غَيْبَة الْمَدْعُوّ لَهُ، وَفِي سِرّه؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغ فِي الْإِخْلَاص. قَوْله: «بِمِثْلٍ» هُوَ بِكَسْرِ الْمِيم وَإِسْكَان الثَّاء، هَذِهِ الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة، قَالَ الْقَاضِي: وَرَوَيْنَاهُ بِفَتْحِهَا أَيْضًا، يُقَال: هُوَ مِثْله وَمَثِيله بِزِيَادَةِ الْيَاء، أَيْ: عَدِيله سَوَاء، وَفِي هَذَا فَضْل الدُّعَاء لِأَخِيهِ الْمُسْلِم بِظَهْرِ الْغَيْب، وَلَوْ دَعَا لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَصَلَتْ هَذِهِ الْفَضِيلَة، وَلَوْ دَعَا لِجُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ فَالظَّاهِر حُصُولهَا أَيْضًا، وَكَانَ بَعْض السَّلَف إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُو لِنَفْسِهِ يَدْعُو لِأَخِيهِ الْمُسْلِم بِتِلْكَ الدَّعْوَة؛ لِأَنَّهَا تُسْتَجَاب، وَيَحْصُل لَهُ مِثْلهَا. 4913- قَوْله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْن سَرْوَان الْمُعَلِّم) هَكَذَا رَوَاهُ عَامَّة الرُّوَاة وَجَمِيع نُسَخ بِلَادنَا (سَرْوَان) بِسِينٍ مُهْمَلَة مَفْتُوحَة، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ عَامَّة شُيُوخهمْ، وَقَالَ: وَعَنْ اِبْن مَاهَان أَنَّهُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَة، قَالَ الْبُخَارِيّ وَالْحَاكِم: يُقَالَانِ جَمِيعًا فيه، وَهُمَا صَحِيحَانِ، وَقَالَ بَعْضهمْ (فَرْدَان) بِالْفَاءِ، وَهُوَ أَنْصَارِيّ عِجْلِيّ. 4914- قَوْله: (حَدَّثَتْنِي أُمّ الدَّرْدَاء قَالَتْ: حَدَّثَنِي سَيِّدِي) تَعْنِي: زَوْجهَا أَبَا الدَّرْدَاء، فَفيه: جَوَاز تَسْمِيَة الْمَرْأَة زَوْجهَا سَيِّدهَا، وَتَوْقِيره، وَأُمّ الدَّرْدَاء هَذِهِ هِيَ الصُّغْرَى التَّابِعِيَّة، وَاسْمهَا (هُجَيْمَة) وَقِيلَ: (جُهَيْمَة). .باب اسْتِحْبَابِ حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ: .باب بَيَانِ أَنَّهُ يُسْتَجَابُ لِلدَّاعِي مَا لَمْ يَعْجَلْ فَيَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي: 4917- سبق شرحه بالباب. 4918- سبق شرحه بالباب. .باب بَيَانِ أَنَّ أكثر أهل الجنة الفقراء أكثر أصحاب النار النساء: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِلَّا أَصْحَاب النَّار فَقَدْ أَمَرَ بِهِمْ إِلَى النَّار» مَعْنَاهُ: مَنْ اِسْتَحَقَّ مِنْ أَهْل الْغِنَى النَّار بِكُفْرِهِ أَوْ مَعَاصِيه. وَفِي هَذَا الْحَدِيث: تَفْضِيل الْفَقْر عَلَى الْغِنَى. وَفيه: فَضِيلَة الْفُقَرَاء وَالضُّعَفَاء. 4922- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذ بِك مِنْ زَوَال نِعْمَتك وَتَحَوُّل عَافِيَتك وَفَجْأَة نِقْمَتك» الْفَجْأَة بِفَتْحِ الْفَاء وَإِسْكَان الْجِيم مَقْصُورَة عَلَى وَزْن ضَرْبَة، وَالْفُجَاءَة بِضَمِّ الْفَاء وَفَتْح الْجِيم وَالْمَدّ لُغَتَانِ، وَهِيَ الْبَغْتَة. وَهَذَا الْحَدِيث أَدْخَلَهُ مُسْلِم بَيْن أَحَادِيث النِّسَاء، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمهُ عَلَيْهَا كُلّهَا. وَهَذَا الْحَدِيث رَوَاهُ مُسْلِم عَنْ أَبِي زُرْعَة الرَّازِيِّ أَحَد حُفَّاظ الْإِسْلَام، وَأَكْثَرهمْ حِفْظًا، وَلَمْ يَرْوِ مُسْلِم فِي صَحِيحه عَنْهُ غَيْر هَذَا الْحَدِيث، وَهُوَ مِنْ أَقْرَان مُسْلِم. تُوُفِّيَ بَعْد مُسْلِم بِثَلَاثِ سِنِينَ، سَنَة أَرْبَع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ. 4925- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الدُّنْيَا خَضِرَة حُلْوَة، وَإِنَّ اللَّه مُسْتَخْلِفكُمْ فيها، فَيَنْظُر كَيْف تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاء» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ: «فَاتَّقُوا الدُّنْيَا» وَمَعْنَاهُ: تَجَنَّبُوا الِافْتِتَان بِهَا وَبِالنِّسَاءِ، وَتَدْخُل فِي النِّسَاء الزَّوْجَات وَغَيْرهنَّ، وَأَكْثَرهنَّ فِتْنَة الزَّوْجَات، لِدَوَامِ فِتْنَتهنَّ وَابْتِلَاء أَكْثَر النَّاس بِهِنَّ. وَمَعْنَى: «الدُّنْيَا خَضِرَة حُلْوَة» يَحْتَمِل أَنَّ الْمُرَاد بِهِ شَيْئَانِ أَحَدهمَا: حُسْنهَا لِلنُّفُوسِ، وَنَضَارَتهَا وَلَذَّتهَا كَالْفَاكِهَةِ الْخَضْرَاء الْحُلْوَة، فَإِنَّ النُّفُوس تَطْلُبهَا طَلَبًا حَثِيثًا، فَكَذَا الدُّنْيَا. وَالثَّانِي: سُرْعَة فَنَائِهَا كَالشَّيْءِ الْأَخْضَر فِي هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ. وَمَعْنَى: «مُسْتَخْلِفكُمْ فيها» جَاعِلكُمْ خُلَفَاء مِنْ الْقُرُون الَّذِينَ قَبْلكُمْ، فَيَنْظُر هَلْ تَعْمَلُونَ بِطَاعَتِهِ، أَمْ بِمَعْصِيَتِهِ وَشَهَوَاتكُمْ. .باب قصة أصحاب الغار الثلاثة والتوسل بصالح الأعمال: قَوْله: «اُنْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَة، فَادْعُوا اللَّه بِهَا لَعَلَّهُ يُفَرِّجهَا» اِسْتَدَلَّ أَصْحَابنَا بِهَذَا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْعُوَ فِي حَال كَرْبه، وَفِي دُعَاء الِاسْتِسْقَاء وَغَيْره بِصَالِحِ عَمَله، وَيَتَوَسَّل إِلَى اللَّه تَعَالَى بِهِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ فَعَلُوهُ فَاسْتُجِيبَ لَهُمْ، وَذَكَرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَعْرِض الثَّنَاء عَلَيْهِمْ، وَجَمِيل فَضَائِلهمْ. وَفِي هَذَا الْحَدِيث: فَضْل بِرّ الْوَالِدَيْنِ وَفَضْل خِدْمَتهمَا وَإِيثَارهمَا عَمَّنْ سِوَاهُمَا مِنْ الْأَوْلَاد وَالزَّوْجَة وَغَيْرهمْ. وَفيه: فَضْل الْعَفَاف وَالِانْكِفَاف عَنْ الْمُحَرَّمَات، لاسيما بَعْد الْقُدْرَة عَلَيْهَا، وَالْهَمّ بِفِعْلِهَا، وَيَتْرُك لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصًا. وَفيه: جَوَاز الْإِجَارَة وَفَضْل حُسْن الْعَهْد، وَأَدَاء الْأَمَانَة، وَالسَّمَاحَة فِي الْمُعَامَلَة. وَفيه: إِثْبَات كَرَامَات الْأَوْلِيَاء، وَهُوَ مَذْهَب أَهْل الْحَقّ. قَوْله: «فَإِذَا أَرَحْت عَلَيْهِمْ حَلَبْت» مَعْنَاهُ: إِذَا رَدَدْت الْمَاشِيَة مِنْ الْمَرْعِي إِلَيْهِمْ، وَإِلَى مَوْضِع مَبِيتهَا، وَهُوَ مُرَاحهَا بِضَمِّ الْمِيم، يُقَال: أَرَحْت الْمَاشِيَة وَرَوَّحْتهَا بِمَعْنًى. قَوْله: «نَأَى بِي ذَات يَوْم الشَّجَر» وَفِي بَعْض: «نَاءٍ بِي»، فَالْأَوَّل بِجَعْلِ الْهَمْزَة قَبْل الْأَلِف، وَبِهِ قَرَأَ أَكْثَر الْقُرَّاء السَّبْعَة، وَالثَّانِي عَكْسه، وَهُمَا لُغَتَانِ وَقِرَاءَتَانِ، وَمَعْنَاهُ (بَعُدَ) وَالثَّانِي (الْبُعْد). قَوْله: «فَجِئْت بِالْحِلَابِ» هُوَ بِكَسْرِ الْحَاء، وَهُوَ: الْإِنَاء الَّذِي يُحْلَب فيه، يَسَع حَلْبَة نَاقَة، وَيُقَال لَهُ، الْمِحْلَب بِكَسْرِ الْمِيم، قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ يُرِيد بِالْحِلَابِ هُنَا اللَّبَن الْمَحْلُوب. قَوْله: «وَالصِّبْيَة يَتَضَاغَوْنَ» أَيْ: يَصِيحُونَ وَيَسْتَغِيثُونَ مِنْ الْجُوع. قَوْله: «فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي» أَيْ: حَالِي اللَّازِمَة، وَالْفُرْجَة بِضَمِّ الْفَاء وَفَتْحهَا، وَيُقَال لَهَا أَيْضًا: فَرْج، سَبَقَ بَيَانهَا مَرَّات. قَوْله: «وَقَعْت بَيْن رِجْلَيْهَا» أَيْ: جَلَسْت مَجْلِس الرَّجُل لِلْوِقَاعِ. قَوْلهَا: «لَا تَفْتَح الْخَاتَم إِلَّا بِحَقِّهِ» الْخَاتَم كِنَايَة عَنْ بَكَارَتهَا، وَقَوْله: «بِحَقِّهِ» أَيْ: بِنِكَاحٍ لَا بِزِنًا. قَوْله: «بِفَرَقِ أُرْز» الْفَرَق بِفَتْحِ الرَّاء وَإِسْكَانهَا لُغَتَانِ، الْفَتْح أَجْوَد وَأَشْهَر، وَهُوَ: إِنَاء يَسَع ثَلَاثَة آصَع، وَسَبَقَ شَرْحه فِي كِتَاب الطَّهَارَة. قَوْله: «فَرَغِبَ عَنْهُ» أَيْ: كَرِهَهُ وَسَخِطَهُ وَتَرَكَهُ. قَوْله: «لَا أَغْبُق قَبْلهمَا أَهْلًا وَلَا مَالًا» فَقَوْله: «لَا أَغْبُق» بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَضَمِّ الْبَاء أَيْ: مَا كُنْت أُقَدِّم عَلَيْهِمَا أَحَدًا فِي شُرْب نَصِيبهمَا عِشَاء مِنْ اللَّبَن، وَالْغَبُوق شُرْب الْعِشَاء، وَالصَّبُوح شُرْب أَوَّل النَّهَار، يُقَال مِنْهُ: غَبَقْت الرَّجُل- بِفَتْحِ الْبَاء- أَغْبُقُهُ- بِضَمِّهَا مَعَ فَتْح الْهَمْزَة- غَبْقًا فَاغْتَبَقَ، أَيْ: سَقَيْته عِشَاء فَشَرِبَ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته مِنْ ضَبْطه مُتَّفَق عَلَيْهِ فِي كُتُب اللُّغَة، وَكُتُب غَرِيب الْحَدِيث وَالشُّرُوح، وَقَدْ يُصَحِّفهُ بَعْض مَنْ لَا أَنَس لَهُ، فَيَقُول: أُغْبِق بِضَمِّ الْهَمْزَة وَكَسْر الْبَاء، وَهَذَا غَلَط. قَوْله: «أَلَمَّتْ بِهَا سَنَة» أَيْ: وَقَعَتْ فِي سَنَة قَحْط. قَوْله: «فَثَمَّرْت أَجْره» أَيْ: ثَمَنه. قَوْله: «حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَال فَارْتَعَجَتْ» هُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة ثُمَّ الْجِيم، أَيْ: كَثُرَتْ، حَتَّى ظَهَرَتْ حَرَكَتهَا وَاضْطِرَابهَا، وَمَوْج بَعْضهَا فِي بَعْض لِكَثْرَتِهَا، وَالِارْتِعَاج الِاضْطِرَاب وَالْحَرَكَة، وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيث أَصْحَاب أَبِي حَنِيفَة وَغَيْرهمْ مِمَّنْ يُجِيز بَيْع الْإِنْسَان مَالَ غَيْره وَالتَّصَرُّف فيه بِغَيْرِ إِذْن مَالِكه إِذَا أَجَازَهُ الْمَالِك بَعْد ذَلِكَ، وَوَضْع الدَّلَالَة قَوْله: «فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعهُ حَتَّى جَمَعْت مِنْهُ بَقَرًا وَرِعَاءَهَا»، وَفِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ: «فَثَمَّرْت أَجْره حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَال فَقُلْت: كُلّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرك مِنْ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم وَالرَّقِيق» وَأَجَابَ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ مِمَّنْ لَا يُجِيز التَّصَرُّف الْمَذْكُور بِأَنَّ هَذَا إِخْبَار عَنْ شَرْع مَنْ قَبْلنَا، وَفِي كَوْنه شَرْعًا لَنَا خِلَاف مَشْهُور لِلْأُصُولِيِّينَ، فَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا فَلَا حُجَّة. وَإِلَّا فَهُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ اِسْتَأْجَرَهُ بِأُرْزٍ فِي الذِّمَّة، وَلَمْ يُسَلِّم إِلَيْهِ، بَلْ عَرَضَهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَقْبَلهُ لِرَدَاءَتِهِ، فَلَمْ يَتَعَيَّن مِنْ غَيْر قَبْض صَحِيح فَبَقِيَ عَلَى مَالِك الْمُسْتَأْجِر؛ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّة لَا يَتَعَيَّن إِلَّا بِقَبْضٍ صَحِيح، ثُمَّ إِنَّ الْمُسْتَأْجِر تَصَرَّفَ فيه وَهُوَ مِلْكه، فَصَحَّ تَصَرُّفه، سَوَاء اِعْتَقَدَهُ لِنَفْسِهِ أَمْ لِلْأَجِيرِ، ثُمَّ تَبَرَّعَ بِمَا اِجْتَمَعَ مِنْهُ مِنْ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم وَالرَّقِيق عَلَى الْأَجِير بِتَرَاضِيهِمَا. وَاَللَّه أَعْلَم. .كتاب التوبة: .بَاب الْحَضّ عَلَى التَّوْبَة وَالْفَرَح بِهَا: وَالتَّوْبَة مِنْ مُهِمَّات الْإِسْلَام وَقَوَاعِده الْمُتَأَكِّدَة، وَوُجُوبهَا عِنْد أَهْل السُّنَّة بِالشَّرْعِ، وَعِنْد الْمُعْتَزِلَة بِالْعَقْلِ، وَلَا يَجِب عَلَى اللَّه قَبُولهَا إِذَا وُجِدَتْ بِشُرُوطِهَا عَقْلًا عِنْد أَهْل السُّنَّة، لَكِنَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى يَقْبَلهَا كَرَمًا وَفَضْلًا، وَعَرَفْنَا قَبُولهَا بِالشَّرْعِ وَالْإِجْمَاع، خِلَافًا لَهُمْ، وَإِذَا تَابَ مِنْ ذَنْب ثُمَّ ذَكَرَهُ هَلْ يَجِب تَجْدِيد النَّدَم؟ فيه خِلَاف لِأَصْحَابِنَا وَغَيْرهمْ مِنْ أَهْل السُّنَّة، قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ: يَجِب، وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: لَا يَجِب، وَتَصِحّ التَّوْبَة مِنْ ذَنْب، وَإِنْ كَانَ مُصِرًّا عَلَى ذَنْب آخَر، وَإِذَا تَابَ تَوْبَة صَحِيحَة بِشُرُوطِهَا، ثُمَّ عَاوَدَ ذَلِكَ الذَّنْب، كُتِبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الذَّنْب الثَّانِي، وَلَمْ تَبْطُل تَوْبَته، هَذَا مَذْهَب أَهْل السُّنَّة فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَخَالَفَتْ الْمُعْتَزِلَة فيهمَا، قَالَ أَصْحَابنَا: وَلَوْ تَكَرَّرَتْ التَّوْبَة وَمُعَاوَدَة الذَّنْب صَحَّتْ، ثُمَّ تَوْبَة الْكَافِر مِنْ كُفْره مَقْطُوع بِقَبُولِهَا، وَمَا سِوَاهَا مِنْ أَنْوَاع التَّوْبَة هَلْ قَبُولهَا مَقْطُوع بِهِ أَمْ مَظْنُون؟ فيه خِلَاف لِأَهْلِ السُّنَّة، وَاخْتَارَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ مَظْنُون، وَهُوَ الْأَصَحّ. وَاَللَّه أَعْلَم. 4927- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَالَ اللَّه تَعَالَى: أَنَا عِنْد ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرنِي، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا... إِلَخْ» هَذَا الْقَدْر مِنْ الْحَدِيث سَبَقَ شَرْحه وَاضِحًا فِي أَوَّل كِتَاب الذِّكْر، وَوَقَعَ فِي النُّسَخ هُنَا: «حَيْثُ يَذْكُرنِي» بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَة، وَوَقَعَ فِي الْأَحَادِيث السَّابِقَة هُنَاكَ (حِين) بِالنُّونِ، وَكِلَاهُمَا مِنْ رِوَايَة أَبِي هُرَيْرَة، وَبِالنُّونِ هُوَ الْمَشْهُور، وَكِلَاهُمَا صَحِيح ظَاهِر الْمَعْنَى. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَلَّه أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْده مِنْ أَحَدكُمْ يَجِد ضَالَّته بِالْفَلَاةِ» قَالَ الْعُلَمَاء: فَرَح اللَّه تَعَالَى هُوَ رِضَاهُ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: الْفَرَح يَنْقَسِم عَلَى وُجُوه مِنْهَا: السُّرُور، وَالسُّرُور يُقَارِبهُ الرِّضَا بِالْمَسْرُورِ بِهِ، قَالَ: فَالْمُرَاد هُنَا أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَرْضَى تَوْبَة عَبْده أَشَدَّ مِمَّا يَرْضَى وَاجِد ضَالَّته بِالْفَلَاةِ، فَعَبَّرَ عَنْ الرِّضَا بِالْفَرَحِ تَأْكِيدًا لِمَعْنَى الرِّضَا فِي نَفْس السَّامِع، وَمُبَالَغَة فِي تَقْرِيره. 4929- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي أَرْض دَوِّيَّة مُهْلِكَة» أَمَّا (دَوِّيَّة) فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهَا بِفَتْحِ الدَّال وَتَشْدِيد الْوَاو وَالْيَاء جَمِيعًا، وَذَكَرَ مُسْلِم فِي الرِّوَايَة الَّتِي بَعْد هَذِهِ رِوَايَة أَبِي بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة: «أَرْض دَاوِيَّة» بِزِيَادَةِ أَلِف وَهِيَ بِتَشْدِيدِ الْيَاء أَيْضًا وَكِلَاهُمَا صَحِيح، قَالَ أَهْل اللُّغَة: الدَّوِّيَّة الْأَرْض الْقَفْر، وَالْفَلَاة: الْخَالِيَة، قَالَ الْخَلِيل: هِيَ الْمَفَازَة، قَالُوا: وَيُقَال دَوِّيَّة وَدَاوِيَّة، فَأَمَّا الدَّوِّيَّة فَمَنْسُوب إِلَى الدَّوّ بِتَشْدِيدِ الْوَاو، وَهِيَ: الْبَرِّيَّة الَّتِي لَا نَبَات بِهَا، وَأَمَّا الدَّاوِيَّة فَهِيَ عَلَى إِبْدَال إِحْدَى الْوَاوَيْنِ أَلِفًا كَمَا قِيلَ فِي النَّسَب إِلَى طَيّ: طَائِيّ، وَأَمَّا (الْمَهْلَكَة) فَهِيَ بِفَتْحِ الْمِيم وَبِفَتْحِ اللَّام وَكَسْرهَا، وَهِيَ مَوْضِع خَوْف الْهَلَاك، وَيُقَال لَهَا: مَفَازَة، قِيلَ: إِنَّهُ مِنْ قَوْلهمْ: فَوَزَ الرَّجُل إِذَا هَلَكَ، وَقِيلَ عَلَى سَبِيل التَّفَاؤُل بِفَوْزِهِ وَنَجَاته مِنْهَا، كَمَا يُقَال لِلَّدِيغِ: سَلِيم. قَوْله: (دَخَلْت عَلَى عَبْد اللَّه أَعُودهُ وَهُوَ مَرِيض فَحَدَّثَنَا حَدِيثَيْنِ، حَدِيثًا عَنْ نَفْسه، وَحَدِيثًا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُر حَدِيث عَبْد اللَّه عَنْ نَفْسه، وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيْرهمَا وَهُوَ قَوْله: «الْمُؤْمِن يَرَى ذُنُوبه كَأَنَّهُ قَاعِد تَحْت جَبَل، يَخَاف أَنْ يَقَع عَلَيْهِ، وَالْفَاجِر يَرَى ذُنُوبه كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفه، فَقَالَ بِهِ: هَكَذَا». قَوْله فِي رِوَايَة أَبِي بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة: «مِنْ رَجُل بِدَاوِيَّةٍ» هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ: «مِنْ رَجُل» بِالنُّونِ وَهُوَ الصَّوَاب، قَالَ الْقَاضِي: وَوَقَعَ فِي بَعْضهَا: «مَرَّ رَجُل» بِالرَّاءِ وَهُوَ تَصْحِيف، لِأَنَّ مَقْصُود مُسْلِم أَنْ يُبَيِّن الْخِلَاف فِي دَوِّيَّة، وَدَاوِيَّة، وَأَمَّا لَفْظَة (مِنْ) فَمُتَّفَق عَلَيْهَا فِي الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَا مَعْنَى لِلرَّاءِ هُنَا. 4930- قَوْله: «حَمَلَ زَادَهُ وَمَزَاده» هُوَ بِفَتْحِ الْمِيم، قَالَ الْقَاضِي: كَأَنَّهُ اِسْم جِنْس لِلْمَزَادَةِ وَهِيَ الْقِرْبَة الْعَظِيمَة، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُزَاد فيها مِنْ جِلْد آخَر. قَوْله: «وَانْسَلَّ بَعِيره» أَيْ: ذَهَبَ فِي خُفْيَة. قَوْله: «فَسَعَى شَرَفًا فَلَمْ يَرَ شَيْئًا» قَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِل أَنَّهُ أَرَادَ بِالشَّرَفِ هُنَا الطَّلْق وَالْغَلْوَة، كَمَا فِي الْحَدِيث الْآخَر. «فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ»، قَالَ: وَيَحْتَمِل أَنَّ الْمُرَاد هُنَا: الشَّرَف مِنْ الْأَرْض لِيَنْظُر مِنْهُ هَلْ يَرَاهَا؟ قَالَ وَهَذَا أَظْهَر. 4931- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَرَّ بِجِذْلِ شَجَرَة» هُوَ بِكَسْرِ الْجِيم وَفَتْحهَا، وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، وَهُوَ أَصْل الشَّجَرَة الْقَائِم. قَوْله: «قُلْنَا شَدِيدًا» أَيْ: نَرَاهُ فَرَحًا شَدِيدًا أَوْ يَفْرَح فَرَحًا شَدِيدًا. قَوْله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن يَحْيَى وَجَعْفَر بْن حُمَيْدٍ) هَكَذَا صَوَابه (اِبْن حُمَيْدٍ) وَقَدْ صُحِّفَ فِي بَعْض النُّسَخ، قَالَ الْحَافِظ: وَلَيْسَ لِمُسْلِمٍ فِي صَحِيحه عَنْ جَعْفَر هَذَا غَيْر هَذَا الْحَدِيث. 4933- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث أَنَس مِنْ رِوَايَة هَدَّاب بْن خَالِد: «لَلَّه أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْده مِنْ أَحَدكُمْ إِذَا اِسْتَيْقَظَ عَلَى بَعِيره قَدْ أَضَلَّهُ بِأَرْضٍ فَلَاة» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ: «إِذَا اِسْتَيْقَظَ عَلَى بَعِيره» وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاض، أَنَّهُ اِتَّفَقَتْ عَلَيْهِ رُوَاة صَحِيح مُسْلِم، قَالَ: قَالَ بَعْضهمْ: وَهُوَ وَهْم، وَصَوَابه: «إِذَا سَقَطَ عَلَى بَعِيره» أَيْ: وَقَعَ عَلَيْهِ، وَصَادَفَهُ مِنْ غَيْر قَصْد، قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيث الْآخَر عَنْ اِبْن مَسْعُود: «قَالَ: فَأَرْجِع إِلَى الْمَكَان الَّذِي كُنْت فيه فَأَنَام حَتَّى أَمُوت، فَوَضَعَ رَأْسه عَلَى سَاعِده لِيَمُوتَ، فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْده رَاحِلَته» وَفِي كِتَاب الْبُخَارِيّ: «فَنَامَ نَوْمَة فَرَفَعَ رَأْسه فَإِذَا رَاحِلَته عِنْده»، قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا يُصَحِّح رِوَايَة: «اِسْتَيْقَظَ» قَالَ: لَكِنَّ وَجْه الْكَلَام وَسِيَاقه يَدُلّ عَلَى سَقَط كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ. قَوْله: «أَضَلَّهُ بِأَرْضٍ فَلَاة» أَيْ: فَقَدَهُ.
|